السبت، 1 مايو 2010

احذروا الخصخصة

إحذروا من الخصخصة
بواسطة/ فيصـل حمد المناور


الحمدلله رب العرش الكريم والصلاة على الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأجل التسليم واما بعد. كما وعدناكم من قبل أنني سأكتب مقاله عن الخصصة تفند مشكلاتها وتداعياتها من خلال الرجوع إلى أهم علماء الإدارة لأن هذا المفهوم هو في الأساس مفهوم إداري يدخل فيما يعرف بالإدارة العامة الجديدة (والتي تعني إستخدمات أساليب إدارة الأعمال في الإدارة الحكومية).

أن أيديولوجية الخصخصة تعتمد على فكرة سيادة السوق، وفي ظل بروز ظاهرة العولمة فإن السوق هو المؤسسة الوحيدة المتصرفة والمقبولة (على الرغم من الإنتقادات الموجهة للخصخصة وما يشوبها من مشكلات إقتصادية وسياسية...، وقد أقر بذلك الكثيرون من أمثال بيتر دركر، ديفيد أوسبرون، تيد جابلر)، حيث تعد الخصخصة أداة إستراتيجية فعالة لتعزيز عولمة رأس المال وتحقيق أهدافها المتمثلة في زيادة المعدل المطلق للأرباح وتسريع عملية تراكم الفائض في أنحاء العالم، لذلك فقد تمت عملية الخصخصة بشكل مقصود من قبل النخبة في شركات الأعمال لدفع عملية تراكم رأس المال. وهكذا تبدو الخصخصة محركاً للعولمة على المستوى العالمي، لدرجة أن المؤسسات الدولية – كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي- قد ربطت مساعداتهما للدول بدعم القطاع الخاص وتبني سياسات الإصلاح الإقتصادي وإعادة الهيكلة.

تعمل الخصخصة كأداة إستراتيجية لتعزيزعولمة الرأس المال بعدة طرق، من بينها الآتي:

1- توسيع قطاع شركات الأعمال على حساب القطاع العام والمؤسسات العامة، مما يؤدي لضياع الممتلكات والتعرض لمخاطر الإفلاس والتلاعب، فحينما يتم خصخصة مؤسسة ما فذلك يعني أنها خرجت من سيطرة الحكومة وأصبحت سلعة للتداول في السوق العالمي، فالعولمة بذلك تأخذ مجال النشاط الحكومي وتحولة إلى ملك حصري لرأسمالي " شركات العولمة"، مما يفسح المجال للسوق لتحقيق المعدل المطلق لتراكم الفائض على المستوى العالمي، وهكذا تضيع الممتلكات العامة في ظل الخصخصة مما يعرض الدول والحكومات لمخاطر تلاعب ومفاسد شركات العولمة.

2- انكماش مجال النشاط العام مما يؤدي إلى تقويض الثقة وتآكل الشرعية السياسية. وتقود الخصخصة إلى تقليص مجال النشاط العام وفي المقابل يتسع مجال النشاط للمؤسسات الكبرى وشركات الأعمال مما يسهم بدورة في عولمة رأس المال، ويؤدي انكماش مجال النشاط العام إلى تقويض ثقة المواطنين في مؤسسات الحكم وتآكل الشرعية السياسية نظراً لإنحسار فرص سماع مظالمهم وشكاواهم.

3- زحف الدولة الشرطية/ البوليسية وتراجع دولة الرفاهية، فالخصخصة تتطلب دولة بوليسية قوية للمحافظة على القانون والإستقرار والنظام والضبط الإجتماعي من أجل توفير البنية الآمنة والملائمة لتسهيل عملية تراكم الفائض وتعزيز عولمة رأس المال على المستويين المحالي والعالمي، وذلك على سبيل المثال من خلال إصدار التشريعات التي تكفل حرية التجارة أو تبني القوانين التي توسع الدور القمعي للدولة بشكل يقيد من حرية المواطنين.

4- تعميق التبعية السياسية والإقتصادية كنتاج للإستعمار الجديد من قبل الشركات وخاصة بما يسمى بـ "شركات العولمة" (نشوء ثقافة الإستجداء والإعتماد على الغير). وتعد فكرة التبعية – سواء السياسية أو الإقتصادية- هي إبتكار فكري جديد لرأسمال شركات العولمة كنتاج للسياسة الإستعمارية الجديدة التي تمارسها، فالنخبة هي شركات العولمة التي تحاول بناء إمبراطورية عالمية إستعمارية جديدة تحت مضلة النظام العالمي الجديد.

5- تأسيس شبكة جديدة من النخب السياسية والحاكمة – وتأتي من قطاع الأعمال- وتعمل كوكلاء لرأسمال الشركات، من خلال إجازة قوانين وتشريعات لصالح عمليات الخصخصة والعولمة إضافة إلى تحقيق أهداف هذه الشراكات وخدمة مصالح التراكم السريع لرأس المال.

6- تعزيز أيدولوجية الثقافة الفردية وتحقيق المصالح الذاتية والتوجه نحو الإستهلاكية. وهناك تأثير نفسي للخصخصة بتغلغلها بعمق في أرواح الجماهير عن طريق وسائل الإعلام والسياسات الحكومية، على إعتبار أن رأسمالية الشركات هي النظام الوحيد القابل للتطبيق ولا بديل عنه.

7- تخفيض الأجور والمزايا وتكوين حشود من احتياطي العمالية الصناعية (الطبيعة المؤقتة للتوظيف). وتؤدي الخصخصة إلى تسريح العمالة والموظفين على مستوى العالم وإلغاء مزاياهم لكي يكونوا عمال أو موظفين مؤقتين للمؤسسة العامة التي تم خصخصتها بأجور زهيدة، فضلاً عن إمكانية إستغلالهم من خلال التهديد المستمر بالبطالة مما يدفعهم إلى محاولة إرضاء المالك الجديد حتى لو كان على حساب أنفسهم دون أي إعتبار للجانب الإنساني.

8- التخلي عن المسئولية الإجتماعية تجاه الدولة والعمال. وتدفع الخصخصة غالبية سكان العالم إلى سباق نحو قاع أسوأ بكثير من نظم سخرة بها القرون الوسطى في أوروبا، والتي كان الإقطاعيون فيها ملتزمين بتوفير المأوى والغذاء لعبيدهم، في حين أنه في ظل تيار الخصخصة فإن مؤسسات العولمة قد نفضت أيديها ورفضت توفير الإحتياجات الأساسية للعمل والموظفين من الطبقى الوسطى، وتتمثل النتيجة في زيادة أسرعة لمعدل تراكم الفائض.

9- مع الخصخصة تزداد فرص الفساد والمحسوبية وصراع المصالح والإخلال بالمسئولية تجاه المواطنين، فالمؤسسات التي تمت خصخصتها غير مسئولة أمام المواطنين بينما الحكومة مسئولة، فتصبح بالتدريج نظم المساءلة معدومة، مما يدفع في النهاية لسحق الطبقة الوسطى ويصنف المجتمع بذلك لطبيقتين إما طبقة غنية وإما طبقة فقيرة.

10- ففي ظل الخصخصة سينكمش القطاع العام ويتمدد قطاع الأعمل، وسيحل بذلك الإحتكار الخاص- الذي تتحم فيه أقلية تسيطر على الدولة- محل الإحتكار العام، وذلك على الرغم من أن الخصخصة قد ارتبطت بإنتشار العديد من المزاعم من قبل سيادة السوق، وعدم كفاءة الحكومة، وقصور قدرات مهارات الإدارة العامة في خدمة الجمهور، الأمر الذي أثر سلباً على مكانة الموظف العام وعلى جاذبية الوظيفة العامة.

إن كل هذه الأمور والمثالب التي تعاني منها أيدولوجية الخصخصة تجعل منها خطراً حقيقياً على مكانة الدولة، فالقوانين التي توضع لحماية الدولة من الأثار السلبية للخصخصة من الممكن أن تكون كفاءتها جيدة على المدى القصير، ولكن على المدى البعيد وبعد تميكن القطاع الخاص سيختلف الأمر لأن النفوذ والسيطرة ستكون في كفته أو لصالحة، فمن الممكن أن يكون لتك الشركات نواب يمثلونهم ووزراء أيضاً، والأبعد من ذلك أنه من الممكن أن ينقلب أو يتحول ولآء الموظفين والعاملين في هذه الشركات من الولآء والإنتماء للوطن إلى الشركة، وهذه جميعها إرهاصات أو مؤشرات لخطورة هذا الوضع، ولا تستطيع الحكومة على المدى البعيد الوقوف في وجه هذا التيار الذي يمتلك الإقتصاد والنفوذ السياسي الكبير فيتحول بذلك ميزان القوة من الحكومة إلى ملاك هذه الشركات المسيطرة، أما بالنسبة للكويت فتتوارد في ذهني بضعة تساؤلات:

1- هل يوجد في الكويت قطاع خاص يتحمل مسئولياته في ظل تطبيق الخصخصة؟

2- هل المجتمع الكويتي لديه تقبل لفكرة الخصخصة في ظل عدم تهيئة المجتمع لذلك؟

3- هل لدى البيئة التشريعية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية القدرة على تطبيق هذا التوجه في ظل الواقع القائم على مستوى البيئة المحيطة؟

أما بالنسبة للضمانات التي وضعتها الحكومة من خلال القوانين فأعتقد أنها من الممكن

أن تكون فعالة على المدى القصير أما على المدى البعيد فأشك في ذلك، فعندما خصصت الحكومة أسهم للمواطنين في تلك المشروعات فهي في نظري بيع غير مباشر للمؤسسات، فمن المعرف أن المواطن الكويتي مستهلك في طبيعته فهذا التخصيص للأسهم عند توزيعة على الموطنين سيكون صغير في عدد الأسهم، فعند أرتفاع أسعار الأسهم سيقوم المواطن ببيعة، فتكون هنا فرصة للقطاع الخص بتجميع أكبر عدد من الأسهم لرفع حصتها في تلك الشركات، وأما بالنسبة للسهم الذهبي فأعتقد أنه سيتلاشي عند تمكين القطاع الخاص وظهور النخبه السياسية الجديدة التي ستسعى لتغيير التشريع بما يناسب مصالحها الذاتية التي بالطبع ستفضل على المصلحه العامة.

لنحذر بيع الكويت بداعي التطور، فالكويت ليست للبيع

وهذه رؤيتي

فيصل حمد المناور