السبت، 1 مايو 2010

احذروا الخصخصة

إحذروا من الخصخصة
بواسطة/ فيصـل حمد المناور


الحمدلله رب العرش الكريم والصلاة على الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأجل التسليم واما بعد. كما وعدناكم من قبل أنني سأكتب مقاله عن الخصصة تفند مشكلاتها وتداعياتها من خلال الرجوع إلى أهم علماء الإدارة لأن هذا المفهوم هو في الأساس مفهوم إداري يدخل فيما يعرف بالإدارة العامة الجديدة (والتي تعني إستخدمات أساليب إدارة الأعمال في الإدارة الحكومية).

أن أيديولوجية الخصخصة تعتمد على فكرة سيادة السوق، وفي ظل بروز ظاهرة العولمة فإن السوق هو المؤسسة الوحيدة المتصرفة والمقبولة (على الرغم من الإنتقادات الموجهة للخصخصة وما يشوبها من مشكلات إقتصادية وسياسية...، وقد أقر بذلك الكثيرون من أمثال بيتر دركر، ديفيد أوسبرون، تيد جابلر)، حيث تعد الخصخصة أداة إستراتيجية فعالة لتعزيز عولمة رأس المال وتحقيق أهدافها المتمثلة في زيادة المعدل المطلق للأرباح وتسريع عملية تراكم الفائض في أنحاء العالم، لذلك فقد تمت عملية الخصخصة بشكل مقصود من قبل النخبة في شركات الأعمال لدفع عملية تراكم رأس المال. وهكذا تبدو الخصخصة محركاً للعولمة على المستوى العالمي، لدرجة أن المؤسسات الدولية – كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي- قد ربطت مساعداتهما للدول بدعم القطاع الخاص وتبني سياسات الإصلاح الإقتصادي وإعادة الهيكلة.

تعمل الخصخصة كأداة إستراتيجية لتعزيزعولمة الرأس المال بعدة طرق، من بينها الآتي:

1- توسيع قطاع شركات الأعمال على حساب القطاع العام والمؤسسات العامة، مما يؤدي لضياع الممتلكات والتعرض لمخاطر الإفلاس والتلاعب، فحينما يتم خصخصة مؤسسة ما فذلك يعني أنها خرجت من سيطرة الحكومة وأصبحت سلعة للتداول في السوق العالمي، فالعولمة بذلك تأخذ مجال النشاط الحكومي وتحولة إلى ملك حصري لرأسمالي " شركات العولمة"، مما يفسح المجال للسوق لتحقيق المعدل المطلق لتراكم الفائض على المستوى العالمي، وهكذا تضيع الممتلكات العامة في ظل الخصخصة مما يعرض الدول والحكومات لمخاطر تلاعب ومفاسد شركات العولمة.

2- انكماش مجال النشاط العام مما يؤدي إلى تقويض الثقة وتآكل الشرعية السياسية. وتقود الخصخصة إلى تقليص مجال النشاط العام وفي المقابل يتسع مجال النشاط للمؤسسات الكبرى وشركات الأعمال مما يسهم بدورة في عولمة رأس المال، ويؤدي انكماش مجال النشاط العام إلى تقويض ثقة المواطنين في مؤسسات الحكم وتآكل الشرعية السياسية نظراً لإنحسار فرص سماع مظالمهم وشكاواهم.

3- زحف الدولة الشرطية/ البوليسية وتراجع دولة الرفاهية، فالخصخصة تتطلب دولة بوليسية قوية للمحافظة على القانون والإستقرار والنظام والضبط الإجتماعي من أجل توفير البنية الآمنة والملائمة لتسهيل عملية تراكم الفائض وتعزيز عولمة رأس المال على المستويين المحالي والعالمي، وذلك على سبيل المثال من خلال إصدار التشريعات التي تكفل حرية التجارة أو تبني القوانين التي توسع الدور القمعي للدولة بشكل يقيد من حرية المواطنين.

4- تعميق التبعية السياسية والإقتصادية كنتاج للإستعمار الجديد من قبل الشركات وخاصة بما يسمى بـ "شركات العولمة" (نشوء ثقافة الإستجداء والإعتماد على الغير). وتعد فكرة التبعية – سواء السياسية أو الإقتصادية- هي إبتكار فكري جديد لرأسمال شركات العولمة كنتاج للسياسة الإستعمارية الجديدة التي تمارسها، فالنخبة هي شركات العولمة التي تحاول بناء إمبراطورية عالمية إستعمارية جديدة تحت مضلة النظام العالمي الجديد.

5- تأسيس شبكة جديدة من النخب السياسية والحاكمة – وتأتي من قطاع الأعمال- وتعمل كوكلاء لرأسمال الشركات، من خلال إجازة قوانين وتشريعات لصالح عمليات الخصخصة والعولمة إضافة إلى تحقيق أهداف هذه الشراكات وخدمة مصالح التراكم السريع لرأس المال.

6- تعزيز أيدولوجية الثقافة الفردية وتحقيق المصالح الذاتية والتوجه نحو الإستهلاكية. وهناك تأثير نفسي للخصخصة بتغلغلها بعمق في أرواح الجماهير عن طريق وسائل الإعلام والسياسات الحكومية، على إعتبار أن رأسمالية الشركات هي النظام الوحيد القابل للتطبيق ولا بديل عنه.

7- تخفيض الأجور والمزايا وتكوين حشود من احتياطي العمالية الصناعية (الطبيعة المؤقتة للتوظيف). وتؤدي الخصخصة إلى تسريح العمالة والموظفين على مستوى العالم وإلغاء مزاياهم لكي يكونوا عمال أو موظفين مؤقتين للمؤسسة العامة التي تم خصخصتها بأجور زهيدة، فضلاً عن إمكانية إستغلالهم من خلال التهديد المستمر بالبطالة مما يدفعهم إلى محاولة إرضاء المالك الجديد حتى لو كان على حساب أنفسهم دون أي إعتبار للجانب الإنساني.

8- التخلي عن المسئولية الإجتماعية تجاه الدولة والعمال. وتدفع الخصخصة غالبية سكان العالم إلى سباق نحو قاع أسوأ بكثير من نظم سخرة بها القرون الوسطى في أوروبا، والتي كان الإقطاعيون فيها ملتزمين بتوفير المأوى والغذاء لعبيدهم، في حين أنه في ظل تيار الخصخصة فإن مؤسسات العولمة قد نفضت أيديها ورفضت توفير الإحتياجات الأساسية للعمل والموظفين من الطبقى الوسطى، وتتمثل النتيجة في زيادة أسرعة لمعدل تراكم الفائض.

9- مع الخصخصة تزداد فرص الفساد والمحسوبية وصراع المصالح والإخلال بالمسئولية تجاه المواطنين، فالمؤسسات التي تمت خصخصتها غير مسئولة أمام المواطنين بينما الحكومة مسئولة، فتصبح بالتدريج نظم المساءلة معدومة، مما يدفع في النهاية لسحق الطبقة الوسطى ويصنف المجتمع بذلك لطبيقتين إما طبقة غنية وإما طبقة فقيرة.

10- ففي ظل الخصخصة سينكمش القطاع العام ويتمدد قطاع الأعمل، وسيحل بذلك الإحتكار الخاص- الذي تتحم فيه أقلية تسيطر على الدولة- محل الإحتكار العام، وذلك على الرغم من أن الخصخصة قد ارتبطت بإنتشار العديد من المزاعم من قبل سيادة السوق، وعدم كفاءة الحكومة، وقصور قدرات مهارات الإدارة العامة في خدمة الجمهور، الأمر الذي أثر سلباً على مكانة الموظف العام وعلى جاذبية الوظيفة العامة.

إن كل هذه الأمور والمثالب التي تعاني منها أيدولوجية الخصخصة تجعل منها خطراً حقيقياً على مكانة الدولة، فالقوانين التي توضع لحماية الدولة من الأثار السلبية للخصخصة من الممكن أن تكون كفاءتها جيدة على المدى القصير، ولكن على المدى البعيد وبعد تميكن القطاع الخاص سيختلف الأمر لأن النفوذ والسيطرة ستكون في كفته أو لصالحة، فمن الممكن أن يكون لتك الشركات نواب يمثلونهم ووزراء أيضاً، والأبعد من ذلك أنه من الممكن أن ينقلب أو يتحول ولآء الموظفين والعاملين في هذه الشركات من الولآء والإنتماء للوطن إلى الشركة، وهذه جميعها إرهاصات أو مؤشرات لخطورة هذا الوضع، ولا تستطيع الحكومة على المدى البعيد الوقوف في وجه هذا التيار الذي يمتلك الإقتصاد والنفوذ السياسي الكبير فيتحول بذلك ميزان القوة من الحكومة إلى ملاك هذه الشركات المسيطرة، أما بالنسبة للكويت فتتوارد في ذهني بضعة تساؤلات:

1- هل يوجد في الكويت قطاع خاص يتحمل مسئولياته في ظل تطبيق الخصخصة؟

2- هل المجتمع الكويتي لديه تقبل لفكرة الخصخصة في ظل عدم تهيئة المجتمع لذلك؟

3- هل لدى البيئة التشريعية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية القدرة على تطبيق هذا التوجه في ظل الواقع القائم على مستوى البيئة المحيطة؟

أما بالنسبة للضمانات التي وضعتها الحكومة من خلال القوانين فأعتقد أنها من الممكن

أن تكون فعالة على المدى القصير أما على المدى البعيد فأشك في ذلك، فعندما خصصت الحكومة أسهم للمواطنين في تلك المشروعات فهي في نظري بيع غير مباشر للمؤسسات، فمن المعرف أن المواطن الكويتي مستهلك في طبيعته فهذا التخصيص للأسهم عند توزيعة على الموطنين سيكون صغير في عدد الأسهم، فعند أرتفاع أسعار الأسهم سيقوم المواطن ببيعة، فتكون هنا فرصة للقطاع الخص بتجميع أكبر عدد من الأسهم لرفع حصتها في تلك الشركات، وأما بالنسبة للسهم الذهبي فأعتقد أنه سيتلاشي عند تمكين القطاع الخاص وظهور النخبه السياسية الجديدة التي ستسعى لتغيير التشريع بما يناسب مصالحها الذاتية التي بالطبع ستفضل على المصلحه العامة.

لنحذر بيع الكويت بداعي التطور، فالكويت ليست للبيع

وهذه رؤيتي

فيصل حمد المناور

السبت، 20 فبراير 2010

اوجه الاختلاف في تحليل فشل الادارة العامة في الدول النامية

أوجه الاختلاف في تحليل اسباب فشل الادارة العامة في دول العالم الثالث
بواسطة/  فيصل حمد المناور

منذ ﻧﻬاية الخمسينات وحتى بداية التسعينات من القرن الماضي دار جدل حول أسباب فشل الإدارة في دول العالم الثالث وبما أن هذا الجدل لم يحسم بالشكل المطلوب، لذا فإن هذه الورقه لا تعدو أن توضح هذه المشكلة وتبين أن هناك ثلاث مجموعات من المدارس أو الاتجاهات التي كان لها آراء متباينة حول أسباب فشل الإدارة في الدول النامية. فاﻟﻤﺠموعة الأولى قد نسبت الفشل في الدول النامية إلى تقليد النماذج الغربية بإحضارها معه عندما كان مستعمرًا لهذه الدول. غير أن اﻟﻤﺠموعة الثانية رفضت هذا الإدعاء و عللت الأسباب بأﻧﻬا تكمن في عوامل البيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لهذه الدول وليس لها علاقة البتة في تلك النماذج الغربية التي تم تبنيها . أما اﻟﻤﺠموعة الثالثة فقد أكدت أن النماذج الغربية وكذلك طبيعة العالم الثالث الخالية من التجربة هي العامل أو العوا مل لتخلف وفشل الإدارة في هذه الدول.
أخذ الاختلاف في وجهات النظر يلعب دورًا هامًا في البحوث والدراسات التي تدور حول فعالية الإدارة العامة في دول العالم الثالث ( الدول النامية ( وانقسموا كتاب هذه البحوث والدراسات العلمية إلى ثلاث مجموعات:
اﻟﻤﺠموعة الأولى : ويمثلهم الكاتب المعروف في مجال الإدارة المقارنة فيرل هيدي الذي يرجع بالأساس فشل الإدارة بالدول النامية إلى تقليدها للنماذج الغربية المستوردة. لذا فإن المشكلة في نظره لن يكون لها حل إلا بالخلاص من هذه النماذج واستبدالها بأخرى تتم صياغتها من داخل البلد نفسه.

أما الكاتب الشهير في مجال الإدارة فرد رجز مثل وجهة نظر اﻟﻤﺠموعة الثانية فقد قال : إن عدم فعالية أو فشل الإدارة بدول العالم الثالث ليس له علاقة بتبني النماذج الغربية ولا بتعديل صياغتها، بل أن ذلك ناتج عن وجود عوامل بيئية لم يحددها وإنما أشار إليها على أن لها علاقة بالبيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة.

أما وجهة نظر اﻟﻤﺠموعة الثالثة والأخيرة : فيمثلها الكاتب ميلتون اسمان الذي آثر أن يكون بين اﻟﻤﺠموعتين في تحليله الذي وضح فيه أن إعادة صياغة النماذج الغربية وتعديلها بما ينطبق مع طبيعة البلد قد يقلل من المشكلة والسؤال الذي ينبغي طرحه على حد قوله يكمن في الكيفية التي يستطيع من خلالها الإداريين في دول العالم الثالث أن يكيفوا النماذج الغربية لتتمشى مع طرقهم وثقافاﺗﻬم المختلفة . وسوف نوضح بعض التفاصيل الموجزة عن كل مجموعة على حده. علمًا بأن لكل مجموعة من هذه اﻟﻤﺠموعات كتاب ومنظرين يؤيدون هذه اﻟﻤﺠموعة أو تلك في داخل الوطن العربي وخارجه.

-التحليل-

     اﻟﻤﺠموعة الأولى :

هذه اﻟﻤﺠموعة التي يمثلها فيرل هيدي تؤكد أن الدول النامية جميعها سواء المستقلة منها أو التي نالت استقلالها مؤخرًا من الاستعمار الغربي تتمتع بسمات عامة منها :

١- أن هذه الدول تعودت على استعمال بعض المفاهيم للإدارة البيروقراطية الغربية وعلى هذا الأساس، فإن القاعدة الأساسية التي تتكون منها إجراءات وتنظيم الإدارة العامة في هذه الدول مقلدة ومستوردة وليست نابعة من مفاهيم أو احتياجات البلد نفسها.

٢ - هذه الدول النامية تستطيع أن تختار ما يتناسب مع تاريخها وتقاليدها وعاداﺗﻬا حتى لا تكون تلك النماذج سببًا في فشلها . وأعطي مثال على ذلك، ما حصل من تأثير النمط الإداري للولايات المتحدة على الفلبين. ورغم المداولات والكتابات والبحوث التي دارت حول هذا الموضوع واختلاف الرأي إلا أن هيدي استمر في التأكيد على وجهة نظره من جديد ومحاولة ترسيخ هذا المفهوم مرة أخرى عند إعادة طبع كتابه الأخير عام ١٩٩١ م ، ففي ظل تلك الاختلافات التي ظهرت في أدبيات الإدارة العامة والتي لا تنطبق لبعضها البعض مع ما أكد عليه هيدي في كتابه الأول. فقد حاول في كتابه الجديد أن يشير إلى أن أسبقية البيروقراطية الغربية التي شكلت البيروقراطية المتطورة في الدول النامية لا تعني أﻧﻬا أقل ملائمة من تلك التي تنشأ داخل هذه الدول نفسها ولكنها تؤكد أهمية التكيف بعد الاستقلال كحالات متغيرة وخاصة لتعزيز الشرعية لتلك السلطات التي تحاول التقدم نحو تحقيق الهدف التنموي. لذا فإن استمرار تقليد الدول النامية - على حد قوله – لتلك النماذج الغربية قد نتج عنه عدة عوامل ومنها عجز الحكومة عن إيجاد القوى البشرية الماهرة التي يسند إليها تطوير البرامج التنموية ونقص في قدرة الإدارة وتدريبها للرؤساء الإداريين على هذه النماذج المستوردة بالإضافة إلى ظهور فساد مستفحل داخل الإدارات الحكومية في هذه الدول النامية مما أدى بالتالي إلى فشل الإدارة في هذه الدول

ومن رواد هذه اﻟﻤﺠموعة" أيم ايككوي" الذي نشر مقالة بعنوان (تطور الإدارة العامة والنظام الرأسمالي) ، ونسب فشل الإدارة في العالم الثالث إلى الدول الرأسمالية التي كانت هذه الدول تخضع لسيطرﺗﻬا ، حيث أكد في طرحه أن دول العالم الثالث كانت معاقة من قبل الدول الرأسمالية التي تمتلك القوة في تكوين النظم والأسس الإدارية داخل إداراﺗﻬا لخدمة مصالحها في هذه الدول المستضعفة. لذا فإن هذه النظم والنماذج التي خلفها النظام الرأسمالي الاستعماري بحاجة إلى تغيير محتوياﺗﻬا لأﻧﻬا لم تعد صالحة لدول العالم الثالث المستقلة. كما أﻧﻬا لم تعد فعالة في اﻟﻤﺠال التنموي لهذه الدول. ومن هذه اﻟﻤﺠموعة أيضًا "رالف بريبانتي" الذي سبق ايككوي في بحوثه وافتراضاته التي أخذت دورها في بداية الستينات. والتي أوضحت أن المشكلة تكمن في كون الدول النامية تسرعت في علمية التنمية الشاملة للنهوض بشعوﺑﻬا . ونظرًا لذلك فقد أخفقت في تحقيق ما تود تحقيقه للأسباب الآتية :

١ - استعملت هذه الدول نماذج غربية معقدة.

٢ - ظهور فجوة كبيرة بين ما تمليه هذه النماذج من أسس وقوانين وبين الطريقة العملية لتطبيقها.

٣ - إن هذه الأسس والقوانين التي استعملتها الخدمة المدنية في الدول الاستعمارية المتقدمة والتي تقوم الدول النامية بتقليدها قد لا تكون صالحة من الأساس لأﻧﻬا عملت تحت نظام مختلف لعلاج مشاكل مختلفة.

لقد كانت وجهة نظر اﻟﻤﺠموعة الأولى معبرة عن نظريات اجتهادية واستنتاجات تقديرية باستثناء الباحث" رالف بريبانتي" الذي استطاع في بحثه المكثف أن يشير إلى الفجوة بين المكونات القانونية للنماذج الغربية وطريقة تطبيقها على أرض الواقع في الدول النامية. وهو ﺑﻬذا قد انفرد عن مجموعته في تلمس الحقيقة وذلك من خلال تطبيقات على نظام الخدمة المدنية الباكستاني. غير أنه لم يوضح لنا العوامل البيئية التي أدت إلى وجود هذه الفجوة. بل اعتمد التعميم إلى أن النماذج الغربية كانت معقدة وليس من السهل تطبيقها.

وهذه النظرة يختلف معه فيها فرد رجز الممثل لنظرة اﻟﻤﺠموعة الثانية الذي حاول أن يشير إلى العوامل البيئية في إطارها الصحيح. حيث نبه في مجادلته إلى أن الفشل في الإدارة العامة معظم الدول النامية لم يأتي نتيجة لتبنيها النماذج الغربية المعقدة كما ذكر "بريبانتي " لأن هذه الدول لم تحسن الاختيار كما أشار هيدي، بل أن هذا الفشل قد جاء نتيجة عوامل بيئية واجتماعية وسياسية واقتصادية استطاعت أن تحول دون تطبيقها الفعال. كما أن هذه العوامل تحول دون التغيير أو التكيف لكل جديد بصرف النظر من أين كان مصدره وحتى لو كان من داخل الدولة نفسها.

    اﻟﻤﺠموعة الثانية :

جاء فرد رجز في مقدمة الناقدين لوجهة نظر اﻟﻤﺠموعة الأولى ولم يكتف برفض ما ذكرته هذه اﻟﻤﺠموعة من أسباب فشل الإدارة في الدول النامية بل تعدى ذلك إلى انتقادهم في استعمال التعريفات والتعبيرات السياسية الجيولوجية في المقارنة ، كتعبير يشير إلى عدم ملائمة استعمالها في (East and West) المقارنة بين الغرب والشرق بخصوص هذا اﻟﻤﺠال ، إلا إذا كان كل ما يعبر عنه غربيًا أو شرقيًا في أساسه . لأنه يخالف الحقيقة في نظره وقد وضح ذلك في مقاله المشهور الذي أشرنا إليه سابقًا والذي يقول "عندما نتتبع خلفية اكتشاف المؤسسات البيروقراطية الحديثة نجدها بالفعل ليست غريبة الأصل وإنما جاءت إلى أوربا من الصين عن طريق الهند.

لذا فإن اﻟﻤﺠموعة الثانية يمكن اعتبارها أنها معبره عن الغرب والشرق فهذا الافتراض يعتبر غير ملائم ويؤدي إلى ضياع المعنى وعدم جدوى المقارنة ، ويرى أن الخيارات الأخرى لوضع المقارنة الصحيحة تعتمد بالدرجة الأولى على المعرفة الشاملة للتركيبة الحكومية والعوائق البيئية التي تؤثر على الإنجازات والتنفيذ داخل أي بلد من بلدان العالم . بالإضافة إلى أهمية وجود إطار نظري يساعد على معرفة العوامل الكامنة والتي هي بالحقيقة سبب وراء فشل الإدارة بدول العالم النامي.

               اﻟﻤﺠموعة الثالثة :

حاولت هذه اﻟﻤﺠموعة أن تكون في الوسط بين هاتين اﻟﻤﺠموعتين وفي مقدمتهم" ميلتون اسمان" الذي يرفض أن يكون هناك خطأ في تقليد دول العالم الثالث للممارسات العلمية الغربية ، حيث تبلورت وجهة نظرها حول إمكانية استعمال النماذج الغربية في الدول النامية لأﻧﻬا قد تساعد على التنمية في هذه الدول لكوﻧﻬا مناسبة وأكثر فعالية عندما تحدد التكنولوجيا السلوكيات ويكون هناك إجماع على المعنى والهدف وتكون الفعالية والقدرة والعمل الجاد هي المسيطرة على هذه السلوكيات هذه اﻟﻤﺠموعة تؤكد أن المشكلة ليست في تقليد النماذج الغربية ولكن المشكلة تكمن في صياغة المادة وتعديلها مما ينطبق مع طبيعة البلد . لقد غاب على الجهات الإدارية في دول العالم الثالث تكييف هذه النماذج الغربية مع ما يتمشى مع عاداﺗﻬا وثقافاﺗﻬا المختلفة. وعلى هذا الأساس فقد أخذت الدراسات والبحوث التي خصصت في مجال الإدارة المقارنة في الدول العربية وخارجها في التنقيب عن بعض المشاكل التي تتعرض لها الإدارة في الدول النامية بشكل عام دون وجود دراسات ميدانية تحليلية لحالات خاصة في بلدان معينة. وفيما يلي سوف نستعرض بعض الكتابات التي تحاول التنويه عن بعض المشاكل الإدارية في الدول النامية.

من بين هؤلاء الكتاب الذين يرجعون فشل الإدارة في الدول النامية إلى السياسة العامة لهذه الدول "ستيفن أوما" الذي فسر في مقاله بان انتشار الفساد في الدول النامية يعود إلى استغلال البيروقراطيين في هذه الحكومات لسلطتهم النظامية أو القانونية في مكاسبهم الشخصية التي تتعارض كليًا مع المصلحة العامة، هذا التصرف أدى في النهاية إلى عدم فعالية الإدارة العامة ﺑﻬذه الدول.

أما "هرفي تيلر" الذي زار ثلاث دول أفريقية وهي "تنزانيا وكينيا وزيمبابوي "فقد أوضحت دراسته التي ركزت على الموظفين في القطاع العام لهذه الدول ، أن المحادثات التي تدور بين المواطنين في هذه الدول بالإضافة إلى الإعلام بشكل عام قد عبرت عن عدم الارتياح لكفاءة الأداء في المؤسسات الحكومية، كما أن ضعف الإدارة الذي لوحظ من خلال الدراسة قد تسبب في انتشار الرشوة والفساد، وعليه فقد اقترح أن يكون هناك تغيير إصلاحي لإعادة تنظيم هذه المؤسسات حتى تتساير مع متطلبات التنمية، إن افتقار معظم البلدان النامية إلى اكثر الأسس أهمية من أجل وجود بيروقراطية مهنية تستند إلى القواعد النظامية الرسمية، جعل القادة الذين يحبذون الإصلاح في هذه الدول لا يستطيعون ترجمة أهدافهم إلى واقع ملموس لأن الآلية التي تربط بيانات السياسة بالأداء الفعلي توقفت عن العمل، وكنتيجة لذلك نشأت فجوة واسعة بين ما تقوله الدولة أﻧﻬا سوف تفعله وبين ما تفعله أي بين القواعد الرسمية للمؤسسات العامة وبين القواعد الفعلية. لذا فإن العبرة تكمن في كيفية إغلاق هذه الفجوة وإعادة إرساء المصداقية لسياسات الحكومة والقواعد التي تعلن أﻧﻬا تطبقها والتأكد من انه يجري تطبيقها بالفعل .كما أنه ليس هناك ضمان بأن تدخل الدولة بما يفيد اﻟﻤﺠتمع . فاحتكار الدولة لوسائل المعلومات يعطيها السلطة للتدخل بصورة تحكمية، يخلق من هذه السلطة المقترنة بإمكانية الاطلاع على معلومات ليست متاحة للجمهور العام فرصًا أمام الموظفين العموميين (البيروقراطيين) لتدعيم مصالحهم الخاصة أو مصالح أصدقائهم أو حلفائهم على حساب المصلحة العامة كما أن هناك إمكانيات كبيرة للربح والفساد . لذلك ينبغي للدولة أن تعمل على إنشاء آليات من شأﻧﻬا أن توفر لأجهزة الدولة المرونة والحافز للعمل من اجل ا لصالح المشترك والعمل في نفس الوقت على تقييد التصرفات التحكمية والفاسدة في التعامل مع أنشطة الأعمال والمواطن.


-خاتمه-



من خلال ما سبق عرضه من اتجهات مختلفه حول تحليل وتفسير اسباب فشل الادارة العامه في بلدان دول العالم الثالث مقارنه بالدول الغربيه، فوجدنا أن هناك ثلاث مدارس وتوجهات مختلفة بقيادة ثلاث علماء برزوا في ايجاد قاعده معرفيه حول الادارة المقارنه وهم " فيرل هيدي و فرد رجز و ميلتون اسمان"، ويمكننا ان نخرج بنتيجتان هامتان هما:

١- يجب أن لا تسعى التحليلات والدراسات المقارنة إلى بناء نماذج نظرية. بقدر ما تكون أقرب إلى التطبيق والعمل على ملائمة هذه النظريات والنماذج لظروف وبيئة الدول النامية.


2- أنه من واجب هذه الدراسات المقارنة أن تفسر وتحلل اوجه الاختلاف والتشابه بين أنظمة الإدارة العامة كما هي قائمة بالفعل في اﻟﻤﺠتمعات المعاصرة ومن ثم القيام بتحليل وتفسير عوامل البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحضارية وغيرها ومدى تأثيرها على بناء هذه الأنظمة وأدائها.



المراجع:

العربية:

1- عاصم الأعرجي ، دراسات معاصرة في التطوير الإداري – منظور تطبيقي ، دار الفكر للنشر والتوزيع، عمان 1995.

2- محمد فتحي محمود، الإدارة العامة المقارنة ، مطابع الفرزدق التجارية،ط2، الرياض 1997.

الاجنبية:

1-Ferrel Heady (1984), Public Administration , Comparative Perspective,New York : Merisel Dekker.



 2- Fred W. Riggs (1972), “The Myth of Alternative underlyingAssumptions About Administrative Development , Issues in Developing economics”, ed, Kenneth Roth well Lexington , MA.,Lexington books

3 - Milton J. Esman (1974) Administrative Doctrine and Development Needs , in Administration and Change in Africa, ed, E.ph:I:P Morgan New York, Dunelier.

تحياتي/ فيصل حمد المناور

الاثنين، 19 أكتوبر 2009

ادارة الازمات ومعايير فض النزاعات الداخلية


ادارة الازمات ومعايير فض النزاعات الداخلية
فيصل حمد المنـاور

تصر الهيئات السياسية الناجحة في ظروف الطواريء الوطنية على توفير فريق عمل عسكري او مدني متكامل تفوض اليه مهمة علاج المشكلات الناجمة عن الكوارث الطبيعية كالزلازل وغيرها باقل الكلف والجهود والاوقات , وفض النزاعات الداخلية بطرق سلمية او بادنى قدر ممكن من العنف اذا تعذر الخيار السلمي تماما , وفريق من هذا النمط الاخير يمكن ملاحظته على وجه التحديد عند اشتعال الازمات السياسية التي تحدث فيما بين القوى والاحزاب السياسية الحاكمة بعضها مع البعض الاخر او بين القوى السياسية المعارضة من جهة والنظم السياسية الحاكمة من جهة اخرى , وغالبا ما تنتهي التجارب الناجحة لفرق الطواريء بانواعها الى نتائج محمودة تتمثل بمنع الخسائر او التقليل من وتائرها الامر الذي يصب بالتالي في صالح ارصدة الدولة المادية والمعنوية.
ويمكن تعريف (الطوارىء الوطنية) بأنها أي حالة تكون فيها حياة المجتمع مهددة اجتماعيا او اقتصاديا او امنيا او سياسيا او اداريا او كل ذلك او بعضه نتيجة ازمة ما, ما لم تتخذ إجراءات علاجية مناسبة وفورية من قبل اصحاب القرار.., كما يمكن تعريف الازمة السياسية على وجه الخصوص بانها مشكلة نشأت او قد تنشأ الان او مستقبلا بصورة طبيعية او مفتعلة من جراء وجود خلل في اداء طرف او اكثر او نتيجة صراع عدائي بين فريقين او عدة فرقاء.
ومن الملاحظ على التجربة العراقية في الحكم ابتداء منذ نشأتها في مفتتح العقد الثاني من القرن العشرين انها لم تعط حالات الطواريء الوطنية بخاصة السياسية منها الاهتمام المطلوب, وعليه فقد شهد تاريخ البلاد المعاصر اخفاقا متواليا على صعيد ادارة الطاقم السياسي للاحداث في اوقات الاضطرابات والازمات العصيبة , فتحكمت عقلية التطرف السائدة في الشخصية العراقية بالفعل السياسي وطغى العنف والحل العسكري على مباديء التفاوض السليم والوصول الى حلول ترضي اطراف الصراع , ذلك ان السياسي المستبد لا يُقدر عمل الفريق الواحد بل انه في احيان كثيرة يعده ضربا من العبث او التجاوز على صلاحياته الخاصة وهذا امر ناجم بطبيعة الحال عن احد اعراض امراض القيادة المعروفة.
وفي عراق ما بعد التغيير اصيب المتابعون لحركة الفعل السياسي بخيبة امل الى درجة لايستهان بها نتيجة لغيبة ما عّولوا على ولادته من حكم يستند الى مؤسسة وقانون وينأى بالقائمين عليه عن ردة الفعل الفجة والعمل المرتجل , وينتهج سلوكا اداريا اصلاحيا في معالجة ما يطرا من خراب متوقع.., ويضع علاجات افضل مما كانت تعج به مذاخر ما قبل التغيير.., فوقفت الهيئات السياسية الوطنية في العراق موقفا يتحاشى الدخول في صميم الازمات المستحدثة واتخذت ما يُعرف بسياسة الاجتناب او الاختباء ازاء الاحداث الكبرى التي عصفت بالبلاد اما خشية منها من سطوة الطرف الاجنبي الحاكم..., او لاسباب تتعلق بمقدار ما تمتلكه من حنكة ونفاذ بصيرة.
بدا ذلك جليا في الموقف السلبي من مظاهر السلب والنهب التي ضربت باطنابها في طول البلاد وعرضها وفيما تلاها من احداث جسام واخطرها على الاطلاق ما ادت اليه ازمة التهجير القسري التي نشبت على خلفيات سياسية وبقدر ما دينية وعرقية, حيث بلغ العراق اعلى مستوى للنزوح العالمي منذ عام 1948 بحسب بعض الدراسات الدولية ولم تتمكن فرق الطواريء حتى هذه اللحظة الراهنة من توفير الحد المقبول من المياه الصالحة للشرب والغذاء الكافي والمساكن الاصلية او البديلة للنازحين وشكّل الاطفال اكثر من النسبة الكلية من عدد الضحايا بحسب ما ادلت به مؤخرا السيدة راديكا كوماراسوامي الممثلة الخاصة للأمين العام للامم المتحدة لشؤون الأطفال والنزاعات المسلحة.
ولعل من الانصاف ان نؤشر الى حقيقة ان الاداء الرسمي لسياسيي العراق الجدد في المراحل السياسية التي اعقبت سقوط النظام السابق كان يسير من سيئ الى اقل سوءا بالتزامن مع استبدال انماط الحكم الوطني والتخفيف من حدة كارثة الاحتلال عن طريق انتزاع المزيد من الصلاحيات والاقتراب من هدف السيادة الكامل..ورغم ان الاعلان عن تشكيل خلايا ولجان لادارة الازمات قد جاء متاخرا من لدن السلطات التنفيذية المتتابعة , الا انها لاقت صدى طيبا في نفوس الراغبين بوضع حد لازمات البلاد المستفحلة بخاصة السياسية منها , وقد احرزت تلك الخلايا واللجان تقدما ملحوظا على صعيد جمع القوى السياسية المتناحرة على مائدة المفاوضات وقلصت الى حد بعيد من درجات فقدان الثقة فيما بين الخصوم السياسيين وبالتالي الوصول الى اتفاقات احرزت للاطراف السياسية المتنازعة نصيبا من الفوز المناسب...
حدث شيء من هذا القبيل في مباحثات تشكيل حكومات ما بعد مجلس الحكم وما رافقها من استحداث لبنى وهياكل قانونية وسياسية كالدستور والية الانتخابات السابقة... او في التعامل مع موضوع انشقاق جبهة التوافق العراقية عن الحكومة الحالية واحتمال عودتها اليها قريبا.., وثمة امل يراود نفوس الغالبية العظمى من العراقيين هذه الايام يتمثل في ان لا تكون طواقم فرق الازمة الحكومية والبرلمانية قد استنفدت كل ما في جعبتها من طاقات دبلوماسية ووصلت بشكل قاطع الى طريق مسدود في التعامل مع اخر الازمات نشوبا والمقصود بطبيعة الحال العلاقة الخطيرة الراهنة فيما بين الحكومة من جهة والتيار الصدري من جهة اخرى, وان لا يتحول الصراع نهائيا من اسلوب التفاوض الذي يركز على المصالح والحقائق الموضوعية الى اللعب بالقوى من قبل الجانبين في حرب كر وفر قد تدخل البلاد في دوامة عنف جديدة لا يمكن التكهن مقدما بفداحة ما سوف تؤول اليه من دمار اخر , بخاصة وان النزاعات السياسية حتى ما يتصف منها بالطابع المحلي لا تعدم امتدادات خارجية تستفيد بدورها من سياسة صب النار على الزيت لتحقيق مرامي اجنداتها الخاصة...
ولعل من بين الاسباب التي تقود الى اخفاق او تواضع النتائج التي تتوصل اليها خلايا الازمات المشكلة من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية في الفترة الراهنة من الحياة السياسية للبلاد يكمن في حداثة تجربتها اولا , وثانيا لانها لم تعمد الى الاستعانة بالسلطة القضائية او الجهات غير الرسمية في حل النزاعات, سيما في الازمات السياسية التي يطالب فيها احد اطراف النزاع -الى حد الالحاح - باللجوء الى التحكيم او وساطة طرف ثالث او رابع او خامس.. وثالثا لان خلايا ادارة الازمة لم تتوسل في تحقيق اغراضها الخاصة بطرق تستند الى معايير اخلاقية متفق عليها في هذا الباب، وهذه يمكن اجمالها بالاتي:
• ايكال مهمة العمل في فض النزاعات الى فريق (محترف) من الخبراء المؤهلين وذوي الخلفيات التاريخية المعروفة في فض النزاعات , ممن يمتازون بسمات قيادية ويمتلكون القدرة على التنبؤ بالازمات قبل وقوعها واعداد الخطط..والخطط البديلة للحلول المناسبة.
• اعلام اطراف النزاع كافة بطبيعة عمل اللجنة الرامية للدخول على خطوط الفرقاء , وطريقة تشكيلها والهدف من ذلك التشكيل, واحراز موافقة جميع اصحاب الشان قبل اتخاذ قرار الشروع بالحركة والتنفيذ.
• الحفاظ على سرية المعلومات الماخوذة من طرف وعدم البوح بها الى طرف اخر بتاتا الا في حالات التفويض من قبل الطرف الاصلي كما في حالات نقل الرسائل ونحوها.
• احاطة اطراف العلاقة علما بافضل واسوأ السناريوهات المحتملة..., وكذلك عند الانتقال من اسلوب تفاوضي الى اسلوب اخر في حال ما اذا تعذر المضي في اسلوب ما واعتماد اخر جديد مثل الانتقال من طريقة المفاوضات المباشرة الى طرق الوساطات او التحكيم....
• عدم محاباة طرف على حساب طرف اخر وانتهاج العدل والموضوعية في الكشف عن ملابسات ودوافع القضية او القضايا محل النزاع وعدم تحول اللجنة او بعض اعضائها في احدى مراحل العمل من مجرد وسيط الى شريك لاحد الاطراف...

الأحد، 16 أغسطس 2009

ظاهرة الفوضى الدولية... بقلم: إبراهيم المزين

بسم الله الرحمن الرحيم


* أولاً : التعريف بظاهرة الفوضى الدوليةInternational Anarchism :
يراد باصطلاح الفوضى الدولية " الحالة التي تكون فيها كل دولة قانوناً بالنسبة إلى ذاتيتها، وتعد كل دولة فيها القاضي الذي يحكم في قضاياها والحفاظ على مصالحها القومية والملتزمة بتغليب هذه المصالح ووضعها موضع التنفيذ بشتى الطرق و الأساليب، فالمصلحة القومية ، وان كانت تمثل أهم وأكبر أهداف السياسة الخارجية لكل وحدة دولية فهي في حالة الفوضى تمثل أسمى واجب أخلاقي يقع على عاتق الدولة والحكومات " .

إن اصطلاح الفوضى الدولية يعني أن هناك انهياراً في التوازن داخل الأنساق الدولية، فالتوازن في الأنساق الدولية هو جوهر هذه الأنساق، وهذا الانهيار يعني أيضاً انهيار بالعلاقات الدولية، فالنسق الدولي – وهو صورة منتظمة للعلاقات بين العديد من القوى يرفض بطبيعته هذه نقيضين متطرفين يقف هو في وجه كل منهما على السواء، . إن أية مجموعة من قوى فردية – في غيبة حكم أعلى – لا يتصور لها إلا أن تسقط في فوضى مطلقة ، ومن ثم فلا نسق ، و إما أن تنتهي الحرب الدائمة بين القوى الفردية إلى إمبراطورية عالمية Universal Empire ومن ثم فلا نسق دولي أيضاً ، وبين هاتين الصورتين تقع صورة النسق الدولي ، ذلك بأن النسق هو مفهوم لصور المجموعات الدولية المتوازنة القوى توازناً يمكن لانتظام علاقاتها بمنأى عن حالة الفوضى من ناحية ، وفي وجه كل متطلع إلى الإمبراطورية العالمية من ناحية أخرى .

إن إعطاء تعريف لظاهرة الفوضى الدولية يدخلنا بصورة كلية في خضم موضوع التعريف بالحرب باعتبارها ظاهرة أيضاً ، فما الفوضى الدولية إلا نوع ضخم من الحروب . والفوضى الدولية هي نوع من الحروب الدولية التي تتعدى في خصائصها ومظاهرها التي تشمل العالم كله ظاهرة لحرب المحدودة ، والحرب هي حالة متكاملة ، لا تأخذ أبعادها إلا إذا كانت حرباً حقيقية ، وهي تلك الحرب التي تندفع الدول المشاركة فيها إلى ما أسماه الجنرال كارل فون كلاوزفيتز " التصعيد إلى الحد الأقصى " لذا، فان القدرة على خوضها حكر على الدول الغنية الصناعية التي تتمتع بإمكانيات كبيرة ، أي على الدول المؤهلة بذل جهود كبيرة من أجل النصر . ويتطلب التصعيد إلى الحد الأقصى أيضاً متابعة القوات المشتركة في القتال" .

إن التفسير العلمي للعلاقات الدولية إنما يبدأ دائماً من إن هذه العلاقات هي عمل من إعمال فرض الإرادة في أي مرحلة من مراحلها سواء في فترة السلم أو في فترة الحرب ، ومن البديلين الحرب والسلام يمكن تصوير هذه العلاقات على أنها عمل من أعمال فرض الإرادة تستهدف به إكراه الخصم على تنفيذ إرادتنا ، وهو ما يجعل من الحرب أصل لهذه العلاقات (1) .

إن العلاقات الدولية هي تعبير آخر لنظام الدولة الفوضوي Anarchy والذي يتألف من دول مترابطة نسبياً ولكن لا تحكمها حكومة واحدة ، وتعني الفوضوية " رفض السواد الأعظم الامتثال لأي نظام ما "، وارتباطاً بالمدخل الواقعي لفهم السياسة الدولية يرى أصحاب المدرسة الواقعية أن احتمالات الحرب في الأنظمة الفوضوية تدفع الدول إلى الحفاظ على الجيوش في أوقات السلم ، فالعلاقات بين الدول مثل كرات البلياردو تتجنب بعضها البعض في محاولة للحفاظ على توازن القوى ، إن هذا المدخل هو مدخل يرى في الحرب عملاً من طبيعة البيئة الدولية كما سنوضح لاحقاً .

* ثانياً : الاتجاهات المختلفة في تفسير ظاهرة الفوضى الدولية :
هناك منهجان رئيسيان يتنازعان دراسة ظاهرة الفوضى الدولية، منهج الدراسة التاريخية ( الوقائعية البحتة ) التقليدية والتي ترى في الحرب مجرد عمل من أعمال الحاكمين ، ومنهج علم الاجتماع الذي يرى في الحرب ظاهرة اجتماعية تكمن حقيقتها في طبيعة علاقاتها بغيرها من الظواهر ، وارتباطاً بذلك تبدأ دراسة الحرب – لدى المدرسة التاريخية – من فرض مضمونة أن الحرب عمل إرادي بحت ، بينما تبدأ مدرسة علم الاجتماع هذه الدراسة من فرض قوامة أن الحرب ظاهرة اجتماعية .

والحق أن دراسة الفوضى الدولية إنما يرتد أصلها إلى علم الاجتماع وفرضه الشهير بأن الحرب ظاهرة اجتماعية ، فالفوضى الدولية التي نحن بصددها ما هي إلا صورة أخرى من صور التوترات الدولية المفضية إلى الحرب ، وهذه التوترات تحدث نتيجة لطبيعة البيئة الدولية ، ولطبيعة علاقة المجتمعات أيضاً .

و بذلك فان الفوضى الدولية من حيث أنها ظاهرة دولية جوهرها قابعاً في طبيعة البيئة الدولية، فالعلاقات الدولية هي علاقات قوى فردية في عينة حكم أعلى تعتمد كل قوة فيها على قدراتها الذاتية – من أجل تحقيق مصالحها القومية. و هذه القوى قد تتعاون ولكنها لا تتكامل تبعاً لعينة ظاهرة الاحتكار الفعلي والشرعي لأدوات العنف في البيئة الدولية .

مما لاشك فيه أن علم العلم العلاقات الدولية علم حديث نسبياً ، وأرسيت قواعده غداة الحرب العالمية الأولى في ما وراء الأطلنطي ، وتطور بسرعة مدهشة ، لاسيما في السنوات التي أعقبت الفوضى التي صاحبت النزاع العالمي الثاني . ونظراً لكثرة الاختصاصيون من أصحاب الكفاءات ، فان الخلافات العقائدية والتناقضات الفكرية ، والمجادلات ، حول المعنى والمضمون واختلاف زوايا الرؤيا ، حتمية . و إن النقاش حول هذا الأمر ظل مفتوحاً بسبب ما يتبناه أنصار الواقعيين بوجه المثاليين ، والمتشائمين بوجه المتفائلين ، ومعارضة القدماء للمعاصرين ، فالأولون يعتبرون أن المجتمع الدولي ( سواء اتفقنا مع التسمية أو لا ) يبقى، بالمقارنة مع المجتمعات الوطنية، مجتمعاً فوضوياً تماماً، بينما يعتبر الآخرون، بالعكس، إن الواقع الدولي أو البيئة الدولية بيئة منظمة بذات درجة المجتمعات والبيئات الأخرى ولذلك ذهب أنصار هذا الاتجاه بتسمية ( المجتمع الدولي ) ، ويتمثل الخلاف بين هذين الاتجاهين بهذا السؤال : هل البيئة الدولية تتمثل بأنها حالة فطرية أم جماعة دولية ؟ (2) .

* ثالثاً : هل الواقع الدولي ( فوضوي ) أم ( مُنظم ) ؟

1. نظرية حالة الفطرة ( المدرسة الواقعية ) Realism :

يرى أنصار هذه النظرية أن انهيار البنيات الإقطاعية، كان قد أدى في نهاية العصر الوسيط، إلى تداعي الوحدة القانونية و المعنوية التي كانت تتصف بها المسيحية . إلا أن الفراغ الذي قام من جراء هذا الأمر ، لم يستمر طويلاً بسبب نمو الدولة الوطنية الملكية الكبرى التي كانت تعتبر نفسها سيدة ولا تعترف بأية سلطة فوق سلطتها . وبما أنها كانت ترفض الخضوع لقواعد سلوك مشتركة، ومشغولة فقط بالدفاع عن مصالحها وبالرغبة في توسيع نفوذها ، فإنها كانت تعيش في جو دائم من العداء والمنافسة وأن شريعة الغاب هي التي تحكم العلاقات بين هذه الدول، حيث كان القوي يفرض إرادته على الضعيف .

وقد ذُكرت حالة الفطرة الفوضوية ، المتعلقة بالواقع الدولي لأول مرة في كتاب "توماس هوبز" المسمى ( لولفياتان ) ، ومن ثم بصورة أكثر عمقاً عند " جان جاك روسو " ( حالة الحرب ). ولكن مفهوم ( العالم الفوضوي ) يرجع في الواقع إلى مؤرخ يوناني شهير هو " تيو سيديد " وينسب هذا المؤرخ إلى أحد الاستراتيجيين العسكريين القدماء مقولة : (إن الحرية مع الجيران، يجب أن تتقلص دائماً إلى القدرة على مواجهتهم ) .

ويمكن تلخيص ما ابتدعه "هوبز" في نظريتة عن حالة الفطرة على الوجه التالي : أن ثمة تناقضاً جذرياً بين البيئة الدولية والبيئات الوطنية. إذ كان الناس يعيشون في هذه الأخيرة في حالة الفطرة بسبب غياب السلطة المنظمة، وبسبب صراعهم المستمر بين بعضهم البعض، فإنهم لم يعرفوا لا سلما ولا أماناً. وللخروج من هذا الوضع، والدخول في مرحلة الجماعة، قرر هؤلاء الناس توقيع ميثاق، أو عقد اجتماعي يقومون بموجبة بإعطاء سلطة عامة لأمير أو مجلس ، وهكذا، وبتخلي كل مواطن عن حريته للسلطة المؤتمنة على السيادة، فانه ضمن لنفسه بالمقابل ، النظام و الأمان . وبالطبع فان المقصود هنا هو رسم نظري، وبناء فكري هدفه تقديم تفسير عقلاني لعملية تكوين السلطة السياسية في البيئة الوطنية. وقد طبقت هذه الصورة على الروابط الدولية التي لم تخرج بعد ، بحسب " توماس هوبز "، ومن مرحلة الفطرة حيث يقول : ( إن الملوك والأفراد هم ، بسبب استقلالهم وسلطتهم السيدة، في شك دائم ، وفي وضع المصارعين الذين يشهرون سلاحهم ويراقبون بعضهم البعض . و أعني هنا القلاع والحاميات، والمدافع المركزة على حدود ممالكهم، والجواسيس الموجودين باستمرار عند جيرانهم، أي كل هذه الأشياء التي تشكل حالة الحرب. وسيبقى هذا الأمر طويلاً، طالما أن الدول المستقلة لم توقع ( عقداً اجتماعيا عالمياً ) لتخلق حكومة عالمية، وحيدة وسيدة ، ولا يجوز إذاً ، خلط السياسة الخارجية مع السياسة الداخلية، لأن العلاقات بين الدول ترتكز على علاقات قوة، وليس علاقات حق : فهي تخضع للعبة المصالح الوطنية، وان البيئة الوطنية ( أو المجتمع الوطني ) كامل ونظم، بينما الواقع الدولي ( البيئة الدولية ) فوضوي ومجزأ .

وتكمن الأهمية في نظرية " هوبز " في كثير من المؤلفين القدماء و المعاصرين قد أعادوا استخدام هذا المفهوم الواقعي المتشائم، ففي القرن السابع عشر استخدم " جون لوك " في كتابة ( بحث حول الحكومة المدنية ) نفس مفاهيم هوبز ( حالة الفطرة – عقد اجتماعي ...الخ ) . وفي القرن الثامن عشر ، " جان جاك روسو " في كتاب ( أميل ) و ( تأملات حول حكومة بولونيا ) ، وكذلك " ايمانويل كانت " في كتابة ( بحث حول السلام الدائم ) ، كما اتخذ " هيجل " ذات الموقف في القرن التاسع عشر ، أما في القرن العشرين فان المفكرين الذين يعتبرون البيئة الدولية فوضوية لم يختفوا بعد . وقد استمر بعدهم كثير من المؤلفين المعاصرين، وعلماء السياسة و الاجتماع والقانون، وبالرجوع إلى حالة الفطرة ، ونذكر هنا منهم على سبيل المثال لا الحصر" هانس جي مورجانثو "، و " ستانلي هوفمان " في الولايات المتحدة الأمريكية، و " ريمون آرون "، و " جورج بيردو " في فرنسا .. بيد أن السؤال الذي يبقى ملحاً هو : هل لا تزال تنسجم هذه الرؤية مع الوقائع الدولية ؟ ، لاشك أن بعض المفكرين لا يتفقوا مع هذه الرؤية ويقترحوا نظرة أكثر تفاؤلاً (3).

وبناءا على العرض السابق ، فقد توصلنا لعدة مقدمات فكرية نستشف منها الآتي :

· الوحدة الأساسية في التحليل هنا هي الدولة ، فالعلاقات السياسية الدولية سميت بالدولية لأنها تتم بين دول ، وبذلك فالدولة هي الوحدة الأساسية في التحليل .
· على قمة أجندة العلاقات الدولية هنا " فكرة الصراع الدولي " وتبادل التأثير والتأثر " من ثنايا مفهوم النسق .
· مجمل الصراع يتم من ثنايا فكرة " المصلحة " .
· على قمة " فكرة المصلحة " فكرة المصلحة القومية ، وتمثل فكرة الأمن القومي فكرة المصلحة .
· الأداة العسكرية هي الأداة الرئيسية في إدارة العلاقات الدولية .
· جاء هذا الاتجاه بفكرة رشد الدولة.
· نية الحرب (4).

2. نظرية ( الجماعة الدولية ) الحديثة أو ( المدرسة المثالية ) :

جاءت هذه النظرية كرد فعل على النظرية السابقة ، ويؤكد أنصار هذه النظرية أن عناصر التضامن ، والمصالح المشتركة بين أطراف اللعبة الدولية هي أكثر أهمية من عناصر الشقاق أو التناقض. وبحسب رأيهم فان البيئة الدولية ليست فوضوية بل هي بيئة منظمة أو في طريقها للتنظيم ، متلاحمة البنيان والنظام وتشكل ( جماعة دولية ) يمكن أن تفضي أما إلى دولة عالمية مقبلة، و إما إلى فيدرالية عالمية .

ويقوم الوضعيون من رجال القانون بإبراز البيئة الدولية كتركيب لدول سيدة ومتساوية، والقانون الدولي العام وكأنة مصمم ( كقانون بين الدول ) . وهذا لا يعني أبداً غياب النظام القانوني، وإنما ارتكاز هذا الأخير وبكل بساطة على موافقة الشركاء القانونيين الصريحة. أما العلاقات بين الدول، فإنها علاقات تعاقدية : أي أن ما تصنعه إرادة ما يمكن أن ترفضه أخرى ، وتكون البيئة الدولية بهذا الشكل، مجتمعاً ترابطياً وليس مؤسسياً.

وحديثاً حاول بعض علماء السياسة و الاجتماع طرح العلاقات الدولية من زاوية جديدة، أي بعبارة ( الأنساق ) . ونذكر من بينهم أعمال " بيرتون " ، " كابلان "، " مارسيل مرل " ، " كالتونغ ".

و يتطلب مفهوم النسق وجود علاقات بين العناصر التي تشكل جزء من نفس المجموعة. وتأخذ هذه العلاقات شكل المواصلات، الاتفاقات، المبادلات، وغيرها من الروابط . وقد أُدخل مفهوم النسق ( والبعض يطلق عليه النظام ) في العلوم الاجتماعية عن طريق الأمريكي " تالكوت برسونز " المتأثر بالاقتصادي" بارتيو "وكان الأمريكي " ديفيد استون" أول من استخدمه في علم السياسة ، وبحسب ( المفهوم النسقي ) ، فان المجموعة الدولية تؤلف نسقاً شاملاً للتفاعلات التي تكون الدولة عناصرها الأساسية ، ولكن ليست الوحيدة ، كما يشكل الواقع العالمي الحالي وحدة عضوية بسبب التدخلات المعقدة القائمة على كافة المستويات وفي كل الميادين. ولعل من الأهمية بمكان ملاحظة أن التطور الهائل للمبادلات، و الإعلام، و الاتصالات، في العصر الحديث وكذلك التطورات المتسارعه في طبيعة هذه الأشياء قد أدت جذرياً إلى تغيير مضمون العلاقات الدولية، ولم تعد دراستها مقصورة فقط على الأمن ، وقضايا الحدود ولعبة التحالفات ، بل أصبحت تهتم بقضايا أخرى عديدة مثل : تطوير العلاقات الاقتصادية ، المالية، النقدية، حقوق الإنسان، البيئة، التلوث، الديمقراطية، مكافحة الإرهاب، أسلحة الدمار الشامل، .... الخ ، وفي أية حال ، لم يعد بإمكان الاختصاصيين وقف أبحاثهم على نسق وحيد للعلاقات الدولية. لأنهم فهموا أن عليهم إذا أرادوا شرح سير البيئة الدولية ، إعادة وضعه في محيطة العام .

و باختصار، فان من المهم الإشارة إلى إن ( المفهوم النسقي ) يجدد كلياً المفهوم الكلاسيكي للعلاقات الدولية ويشكك مباشرة بصحة نظرية الفوضى القديمة . ولم يثبط فشل عصبة الأمم وهيئة الأمم المتحدة من عزم مؤيدي النظام القانوني العالمي. ويؤيد البعض (الوظيفة الدولية) ويعتقد بأن إعطاء حد أقصى من الصلاحيات التقنية إلى المنظمات العالمية سيؤدي تدريجياً إلى إفراغ السيادة الوطنية من محتواها، و أن مضاعفة وزيادة روابط التعاون بين الأمم ، في الميادين الاقتصادية ، الثقافية ، العلمية، .... الخ ، أي بتقليل قيمة السيادة الحكومية بالنتيجة – سيدفع الإنسانية لوعي وحدتها، ويمكن حينذاك الانتقال من عالم إلى عالم دولة العالم (5).

وبناءا على العرض السابق، فقد توصلنا لعدة مقدمات فكرية أيضاً نستشف منها الآتي :

· الدولة ليست هي الوحدة الأساسية في التحليل .
· الصراع ليس أساس في العلاقات الدولية ، بل التعاون والتكامل .
· على قمة أجندة العلاقات الدولية فكرة " المصلحة "، وعلى قمة فكرة المصلحة فكرة " الأمن " .
· الأداة الاقتصادية هي الأداة الرئيسية في العلاقات الدولية ، والحرب بذلك ليست حتمية، مما مهد لظهور فكرة " الأمن الجماعي " التي انبثقت منها المنظمات الدولية ، ثم أضيفت لها مفاهيم أخرى تعبر عن التعاون والتكامل والاندماج الإقليمي والدولي(6) .

ويبقى السؤال الأهم هو أي واحدة من النظريتين – نظرية ( الفوضى ) ونظرية( الجماعة ) – أكثر قرباً من حقيقة الواقع المعاصر؟ الجواب ببساطة هو أن هاتين النظريتين بالرغم من كونهما متطرفة، تشتملان على جزء من الحقيقة ، ويذهب بعض المختصين إلى ثمة مكان بين التشاؤم و التفاؤل ، لطرح وسطي أو بالأحرى لموقف وسيط هو : الموقف الواقعي ، بمعنى أن البيئة الدولية تقوم في وسط الطريق بين الجماعة والفوضى ، وطبيعتة مختلفة : فهي تبرز مواصفات منظمة وغير منظمة . وهذا يعود لكونه موضوع تناقضات عديدة (7) .


الحـــواشــــي(1) قدري محمود إسماعيل ، الاتجاهات المعاصرة وما بعد المعاصرة في دراسة العلاقات الدولية ، أليكس لتكنولوجيا المعلومات ، الإسكندرية 2004 ، ص39- ص69.

(2) إسماعيل صبري مقلد ، العلاقات السياسية الدولية : النظرية و الواقع ، ط4 ، جامعة أسيوط ، أسيوط 2004 ، ص5- ص27.

(3) ثامر كامل الخزرجي ، العلاقات السياسية الدولية وإستراتيجية إدارة الأزمات ، ط1 ، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع ، عمان 2005 ،ص47- ص50.

(4) محاضرة مع الدكتور قدري محمود إسماعيل مقرر دراسات متخصصة بالعلاقات الدولية، (غير منشور )، بتاريخ 28/10/2007 لطلبة تمهيدي ماجستير علوم سياسية بجامعة الإسكندرية.

(5) ثامر كامل الخزرجي ، العلاقات السياسية الدولية وإستراتيجية إدارة الأزمات ( م . س . ذ ) ، ص51- ص52 .

(6) محاضرة مع الدكتور قدري محمود إسماعيل مقرر دراسات متخصصة بالعلاقات الدولية ، ( م . س . ذ ) .

(7) إسماعيل صبري مقلد ، العلاقات السياسية الدولية : النظرية و الواقع ، ( م . س . ذ ) ، ص26 .